السبت 28 ديسمبر 2024

رواية أغلال الروح مكتملة لجميع فصول بقلم الكاتبة المبدعة شيماء الجندي

انت في الصفحة 3 من 74 صفحات

موقع أيام نيوز

رسمت تلك البسمة المنكسرة فوق شفتيها تعرف تلك البسمة عن ظهر قلب منذ حاډثه والدها و فقدانه البصر و الحركة و جلوسه فوق مقعد متحرك و لم تفارق تلك البسمة محياهما وكأن كل واحدة منها تخادع الأخرى بصمود واهي !
لاحظ سامح شرود سديم و نظراتها الغاضبة اللوامة الموجهة ناحية أمها و كأنها تعاتبها بصمت على أقوال الرجل المجاور لها و الذي عرفت أنه خالها منذ ساعات قليلة و من الواضح أن والدها على خلاف معه !
كسر سامح الصمت و قال بضحكة خفيفة 
انتوا بقا هتتغدوا الأول و بعد كدا نتفاهم !
صاحت فجأة نبيلة بتوتر 
لا لااا غدا إيه احنا مش عايزين نأخر على أسامة و نيرة أنت عارف ظروفه دلوقت و نيرة صغيرة مش هتعرف تقعد معاه أكتر من كدا !
عقد حاجبيه قائلا 
و لزمتها إيه الپهدلة دي كلها يانبيلة ما أنا قولتلك تيجوا تقعدوا هنا معايا في الڤيلا مرضتوش قولتلك اجهزلك الڤيلا الصغيرة مرضتيش برضه عرضت عليك ابعتلك مساعدة و اتكلف بكل مصاريفها رفضتي أنت مش حمل الپهدلة دي !
بدأت الأسئلة تتكاثر بعقل سديم لماذا يقاطع والدها رجل بكل هذا السخاء من الواضح أنه يرغب بمعاونة شقيقته إذا ما سبب القطيعة والجفاء !
ليقول فجأة ضاغطا بخفة فوق كتفها 
احضرينا أنت ياعاقلة ! مش لما نلاقي حد محتاج لازم نساعده 
عقدت سديم حاجبيها و أجابت تلك المرة غاضبة فور أن استقامت مبتعدة عنه 
بابا مش محتاج مساعدات من أي حد و إحنا هنا عشان كدا اشتغل و اخد مقابل شغلي مش شفقة !
ابتسم لها سامح بلطف و استقام هو الآخر يستمع إلى والدتها تقول بلطف 
سديم ماينفعش كدا خالو ما يقصدش !
اتجه إليها سامح ووضع يديه فوق كتفيها قائلا بإعجاب 
سيبيها يانبيلة أنا أحب البنات اللي تدافع عن حقها وحبايبها و متسكتش جدعة ياسديم و جدعنتك دي هتنفعك أوي في شغلك معايا ! و آسف ياحبيبتي لو كلامي ضايقك !
صمت لحظات ثم أكمل 
مش أنت عندك 16 سنة دلوقت ياسديم 
هدأت قليلا متأثرة بإطرائه وهزت رأسها بالإيجاب و دهشتها تزداد من سر ابتعاد والدها عن ذلك الرجل المتفاهم إلى هذا الحد !
أكمل سامح متجها إلى والدة سديم و أمسك الظرف المتواجد منذ قدومهم فوق المنضدة قائلا بلطف 
أمسك يانبيلة دا جزء من مرتب سديم مشي الفترة دي حياتك كدا و ارجعي لمستواك بقا و سديم هتبدأ شغل معايا من بكرة و هجهزلها أوضة هنا بتاعتها و اطمني هتبقا تحت عيني طول الوقت !
ابتسمت نبيلة له و أمسكت الظرف بيدها تقول بدهشة 
بس دا شكله كبير ياسامح جزء من مرتب إزاي 
ابتسم لها و رفع رأسه بكبرياء قائلا بفخر 
سديم بنتك هتبقا زي دراعي اليمين ياا نبيلة و أنا هلاقي حد زي بنت أختي آمنها على حالي ومالي ميرڤت مهما كان ليها أهلها و مش هستنى أهل ميرڤت يورثوني في الآخر عشان ربنا مكرمنيش بعيل ! بذمتك مش بنتك أولى بالخير دا كله 
أشار بيديه إلى مظاهر الترف من حوله و عينيه لم تفارق سديم التي نظرت إليه بهدوء و صمت على عكس أمها التي أبدت رغبتها و بهجتها بتلك البداية و وقفت قائلة بتوتر 
طيب و في سنها هتعرف تساعدك ياسامح 
عقد حاجبيه و أجاب پغضب 
قلقانه على بنتك ولا إيه يانبيلة على العموم تعالي بكرة معاها و شوفي مكتبها اللي هتقعد فيه و اوضتها هنا تتفرش على ذوقك أنا عايز اعوضكم عن الپهدلة اللي شوفتوها يانبيلة ابقا غلطان برضوا !
هزت رأسها بالسلب و أجابت بقلق 
لا غلطان دا إيه وهو حد يقدر يقول كدا كتر خيرك أوي على وقفتك دي ياسامح !
اتجه إليها يحتضنها و يقول بلطف رابتا على كتفها 
عيب ياأختي دا أنا و كل اللي ملكي بتاعك أنت وحبيبة خالها دي وسلميلي على نيرة بقاا لولا الملامة كنت جيت و زورتها هي و أسامة !
تنفست بهدوء و ابتسمت له تقول 
ربنا يخليك لينا ياحبيبي مش محتاج أقولك أنا هكلمك بلاش أسامة يعرف إني جيت !
هز رأسه بتفهم و أجاب 
طبعا طبعا متقلقيش ! خدي بالك من ماما ياسديم !
ودعهما سامح و فور أن خرجت سديم قالت برفض واضح 
أنا مش مرتاحة ياماما لكل دا ! إيه الفلوس الكتير اوي دي و ليه نخبي على بابا و احنا جايين و نخبي إني هشتغل مع خالو و ليه أصلا بابا مقاطع خالو 
زفرت نبيلة پغضب وقالت 
كنت عارفة إني مش هخلص من أسئلتك ياسديم ! أنا مش قعدت معاك و عرفت وضعنا كله عاجبك وضع باباك عاجبك و إحنا مش قادرين نعمله عمليات و لا قادرين على مصاريف العلاج حتى عجباك حياتنا !
عقدت سديم ذراعيها أسفل صدرها و أجابت بحزن شديد على حالة والدها 
ايوا بس دا مش مبرر إننا نخدعه و بابا مش هيزعل لو عرف إني بشتغل و بذاكر برضه و كمان مع حد قريب مننا كدا !
رفضت نبيلة و أردفت بتوتر 
اوعي ياااسديم ! بابا مش هيقبل وكمان هنجرحه لو حس إنه مش قادر يكفي احتياجات البيت هيزعل أوي !
صمتت لحظات ثم أكملت
مش أنت كنت لسه بتسألي بابا بعيد عن سامح ليه عشان سامح كان رافض جوازنا أصلا بسبب حالة والدك المادية و لما أنا أصريت اتضطر يوافق وقاطعنا و تخيلي بقا لو باباك عرف دلوقت إنك هتشتغلي مع خالك اللي رفض كل دا من الأول ليه نعمل مشاكل الدنيا مش ناقصة و خالك مش هيبقا تتبهدلي و آمان لينا و هيوفرلك أوضة هنا تذاكري وترتاحي فيها لو حابة و حتى في الشغل مش هيضغط عليك ! عشان خاطري ياسديم أنا مصدقت ألاقي حل ! الدنيا بدأت ترجع زي الأول إحنا هنروح دلوقت كمان نجيب علاج باباك حالا اهو !
ورفعت أمام عينيها الحزينة ظرف الأموال ثم اقتربت منها ټحتضنها وتقول بلطف 
معلش ياسديم أنا عارفة أنه ضغط عليك بس كلنا في الظروف دي مساعدتنا في إيدك ولا مصاريفك ولا مصاريف مدرسة أختك هقدر عليها و لا هعرف اشتغل زي ما فهمت باباك أنا أصلا معنديش خبرة في اي حاجه و لولا عرض خالك و عشان أنت صغيرة هتفيديه طبعا في شغله عنه كنت أحسن حل لينا !
شعرت نبيلة أنها أخيرا نجحت في إقناع ابنتها بقبول وظيفة بسيطة بوجهة نظرها لن يضرها خالها و لن يضر والد سديم إخفاء الأمر ! العائلة على وشك الإنهيار إما الټضحية بواحدة أو سوف تفقد جميع ماتملك بليلة وضحاها !!!
ابتسمت سديم لوالدتها و قررت معاونتها لعلها ترى أبيها كما كان ! لعله يعود إلى تمام الصحة والعافية لعلها ترى بريق عينيه اللامع بهجة بها ! لعله يبصر !
منذ تلك اللحظة تحولت سديم و فقدت نقاء روحها وأصبح الخداع والمرواغة رفيقيها إلى الآن وبين انهزام و انتصار و انكسار و جبر تركت جسد بلا روح
أو بمعنى أدق جسد يحمل روح مهشمة !
إلى كل من يرغب في الاحتفال معي
بإنتصاراتي أين أنت حين كنت أخوض المعارك بمفردي !
استقامت واقفة بابتسامة فاترة رسمتها فوق شفتيها بصعوبة بالغة حين طرق عاصم الباب و دلف إليها بابتسامته البشوش يقول بقلق 
الأوضة عجبتك ياحبيبتي 
هزت رأسها بالايجاب و قالت بهدوء و هي تتجه ناحيته 
آه ديكور جميل !
ثم أضافت بتساؤل 
أنا ممكن أسأل عن حاجه 
اتجه معها إلى الأريكة وجلس بجوارها قائلا 
طبعا مش محتاجة استئذان !
تنفست بهدوء و قالت 
حضرتك متجوز وعندك بنت تاني مش كدا 
توترت نظراته و عقد حاجبيه قائلا بقلق 
مين قالك أنا كنت هستنى لحد ما تاخدي على العيلة و اقولك أكيد !
رفعت حاجبها مبتسمة و قالت بدهشة 
طيب و ليه كل دا دا حقك و حاجة ما تضايقش أكيد عشان تستخبى ! هما فين 
ابتسم لها و أردف بحماس 
هما في السخنة بس هتصل اقولهم يرجعوا الصبح !
ابتسمت له بهدوء و قالت بضحكة خفيفة 
لا لا سيبهم على راحتهم يرجعوا لما يحبوا أنا بس حبيت اعرفك إنك مش محتاج تخبي عيلتك عني .
رفع عاصم حاجبه الأيسر و قال بمداعبة 
ماشي بس مش أنا لوحدي اللي بخبي حاجات أنا لحد دلوقت معرفش تفاصيل عن والدتك بس مش عايز أعرف غير لما أنت تحبي تحكي !
رفعت عينيها و نظرت إليه بحزن واجتمعت الدموع بعينيها و عقلها يرسم صور والدها بمخيلتها وكأنه يتعمد جلدها بسوط الذكريات أفاقت حين رفع يديه يكور وجهها قائلا بلهفة 
سديم ! مالك ياحبيبتي 
هزت رأسها و أجابت بهدوء 
أنت طيب أوي بتفكري بحد أعرفه !
عقد حاجبيه و سأل 
مين و دا يخليك تزعلي كدا ياحبيبتي 
ابتسمت له و قالت پألم 
بابا واحدة صاحبتي ! بس ماټ خلاص !
ضم شفتيه بحزن و احتضنها يربت فوق خصلاتها قائلا بلطف 
أنا آسف إني فكرتك !
تركت دموعها تهبط بهدوء و همست بخفوت و هي داخل أمان أحضان ذلك الرجل الذي أجبرها على استرجاع ذكريات منذ أعوام تحاول الفرار منها ! 
أنا مش بنسى أصلا !
و أن عناق أبي لا زال عالق بين ثنايا عقلي وقلبي لازلت أراقب الصبايا التي تجاور أبيها في الطريق و تتمسك به إن تعثرت .. لازلت أنظر إلى جميع الآباء بأعين يملؤها الحنين ومع كل انتصار أعود إلى وسادتي ليلا و تبدأ معركة خيالاتي حول نظراته لي و أحضانه و ثناؤه المحبب إلى قلبي حين يراني بذاك الصمود !!! لازلت أغمض عيناي ليلا و انتظره داخل أحلامي لأخبره عن هزائمي دون خجل لازلت ولازلت لكن قد زال أبي من الحياة و ترك أحبة تنتظره كل ليلة داخل وهم يسمى الأحلام !
داخل الحديقة المظلمة أمسكت سديم المصباح الصغير و سارت بخطوات حذرة تقول بصوت مرتفع 
حد هنا !!
عقدت حاجبيها حين استمعت إلى أصوات خاڤتة خلف الشجرة الكبيرة المثمرة و تدريجيا أبصرت جسد والدها يزحف فوق الأرض بصعوبة بالغة يحمل فوق ظهره صندوق صغير لكن يبدو أنه ثقيل الوزن !
هرعت إليه وهبطت أرضا تجلس بجانبه قائلة پصدمة تحاول إزاحة الصندوق عنه 
بااابا ! أنت إيه اللي عمل فيك كدا !! و إيه الصندوق دا حاطه كدا ليه !!!
رفع أبيها وجهه المتعرق و رأت ملامحه شديدة الآسى ينظر إليها پألم قائلا 
أنت مين أنا معرفكيش الصندوق دا بتاع بنتي سديم ولازم أوصله !
انطلقت الدموع من عينيها و أردفت پخوف ولازالت محاولاتها لرفع الصندوق عنه مستمرة 
أنا سديم ياباابا !
نظر أسامة إليها و عقد حاجبيه قائلا بدهشة 
لو كنت سديم كنت هتقدري ترفعي الصندوق ! أنا معرفش صوتك ولا دي ملامح بنتي !
ثم صړخ فجأة بقوة حين وضعت يدها

انت في الصفحة 3 من 74 صفحات